الشيخوخة الصحية

إعداد: د. يحيى خضر

بات من المؤكد ان العالم مقبل على جملة من التحديات في القرن الواحد والعشرين، فمع اطلالته يتوقع ان يكون اكثر من الف مليون من الناس قد تخطى الستون عاما، وسيكون اكثر من ثلثيهم في الدول النامية

كلنا يعلم ان معدل عمر الانسان قد ارتفع من حوالي 47 عاما في الخمسينات الى اكثر من 65 عاما في التسعينات، وذلك بفضل التحسن الذي طرأ على الناس اقتصاديا مما انعكس ايجابيا على نوعية معيشتهم، من تحسن في المأكل والمشرب والمسكن. كذلك بفضل الاكتشافات الطبية المتعاقبة كاللقاحات والمضادات الحيوية والاجهزة التشخيصية المختلفة، وانتشار المراكز الصحية والمستشفيات في كل حدب وصوب، مقرونا بالاقبال الشديد على دراسة العلوم الطبية مما خلق وفرة في الكادر الطبي من اطباء وممرضين وفنيين، وجعل الخدمات الصحية في متناول الجميع

بالكشف المبكر عن الامراض والمعالجة الفورية، ونشر الرعاية الصحية الاساسية في كل مكان، تمكنا مع نهايات هذا القرن من الحفاظ على الحياة، وسيكون التحدي الاكبر في القرن القادم تحسين نوعية هذه الحياة، فما دام عدد اكبر من الاطفال سيصلون الى سن الشباب، وعدد اكبر من الشباب سيصلون الى سن الشيخوخة، فمن حقهم علينا ان يحصلوا على اقصى درجات الصحة

الشيخوخة عملية طبيعية ينتج عنها تغييرات جسدية، وظيفية ونفسية، وهي امر مفروغ منه وغير قابل للايقاف او التغيير، ولكننا نستطيع منع، ايقاف او الوقاية من امراض الشيخوخة، بواسطة تبني وتنفيذ برامج لتعزيز الصحة في كل مرحلة من مراحل الحياة، مما سيسهم بلا شك في خلق جيل من المسنين خالين من امراض الشيخوخة، محبين للحياة متمتعين بها، مستمرين في العطاء وحب الاخرين، عونا لاهاليهم ومجتمعاتهم لا عالة عليهم

والسؤال الذي يطرح نفسه الان هو هل سننجح في تحقيق هذا الهدف، في جعل طول العمر مصحوبا بنقص في المرض مما سيعني سنوات اضافية من الحياة المستقلة والمنتجة للكثير من طويلي العمر، ام سيكون هناك مزيد من العجزة وما ينتج عنه من اضرار جسدية، نفسية واجتماعية تسوء كلما طال العمر، وما يشكلونه من عبء على ذويهم وعلى الاجهزة الصحية حتى النهاية

اثبتت الدراسات ان التمارين الرياضية مثل السباحة والمشي السريع، صعود الدرج والعمل في البستان والمنزل، لها تأثير ايجابي على تأخير عملية الكبر، وتصحيح نتائج قلة الحركة وتخفيض الامراض الناتجة عنها، تأجيلها او تخفيفها، كما انها ترفع من مستوى اللياقة البدنية وتقوي العضلات مما يسهم في مقاومة ترهل الاجساد وضعفها، ويسهم في الوقاية من امراض القلب والشرايين، الوقاية من مرض السكري الشائع في اواخر العمر والوقاية من هشاشة العظم وما ينتج عنه من كسور لاتفه الاسباب،

طبعا هذا صحيح ولكنه لا يكفي، اذ لا بد من وضع برامج لشيخوخة صحية تهدف الى خلق الوعي الصحي بين المسنين، واقناعهم باتباع انماط سلوكية صحية، وتهدف الى تحسين الثقة بالنفس وخلق الدافع الايجابي، وتمكين المشاركين من لعب دور فعال في المجتمع

يجب اشراك المسنين انفسهم في تخطيط وتنفيذ برامج الرعاية الصحية وبرامج تعزيز الصحة للمسنين، كما يجب تبادل الافكار والخبرات بين الدول حتى تتم الاستفادة من تجاربهم الناجحة

يجب ايجاد رابطة للمسنين على المستوى الوطني تهدف الى الحفاظ على كرامتهم، واستمرارية عطائهم بجعلهم يكتشفون قدراتهم الذاتية على تقديم الخدمات لا تلقيها، من خلال فروع منتشرة في ربوع الوطن سهلة الوصول اليها، تكون ملاذا آمنا للمسنين يلتقون فيها ويمارسون فيها كل الانشطة التي من شأنها رفع مستوى صحتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم

 

0